العدد الرابع والعشرون، أدى تراجع قدرة الأحزاب والفاعلين السياسيين التقليديين على تمثيل المطالب الشعبية، في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتلاحقة، إلى ظهور قضايا جديدة دون وكلاء لتمثيلها بما يوائم أهميتها، وأحدث ذلك تغيراً في هيكل الفرص السياسية المتاحة لأحزاب الحركات الاجتماعية، الساعية لتمثيل تلك القضايا الجديدة. وأحد أنماط تلك الأحزاب هو الأحزاب الافتراضية التي تتبنى هيكلاً تنظيمياً أكثر مرونة وأقل تعقيداً، بادعاء انتهاج الديمقراطية المباشرة، مع توجهٍ شعبويٍ متنامٍ، يرفض اليمين واليسار ومناهض للمؤسسات، مطالباً بإلغائها أو إعادة تشكيلها أو استبدالها، مع خطاب سياسي غير متماسك يجمع شتاتاً من قضايا مختلفة. وقد ترافق هذا التطور مع تعاظم دور شبكة الإنترنت في الحملات الانتخابية للسياسيين حول العالم، منذ عام 2003، عندما استغل هوارد دين موقع Meetup.com، لتنظيم قاعدته الانتخابية -لدى ترشحه بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2004- مروراً بالحملات الانتخابية الرئاسية اللاحقة، ولاسيما حملة باراك أوباما عام 2008، وحملة دونالد ترامب عام 2016 . إلا أن ما يلفت النظر هو أن دور الإنترنت تخطى وظيفة الاتصال السياسي في الحملات الانتخابية، إلى دور أكثر ديمومة واستقراراً، يتمثل في التدخل المباشر في إدارة الحياة السياسية الحزبية، ولعل أبرز التجارب في هذا الإطار، هي تجربة حركة النجوم الخمسة الإيطالية، التي طرحت مجموعة من الأفكار المتعلقة بإمكانية عودة الديمقراطية المباشرة وانعدام الحاجة المستقبلية للمثلين المنتخبين، من خلال إحلالهم بمنصات تشاركية تُدار كلياً من خلال شبكة الإنترنت. وتخطت هذه التجربة الادعاء الطوباوي إلى المشاركة الفعلية في الحياة السياسية الإيطالية. وهو ما يظهر ضرورة دراسة هذه التجربة الحزبية التي يمكن أن تتكرر وأن تتطور في سياقات سياسية واجتماعية مغايرة. أمام كل ذلك، تطرأ تساؤلات من قبيل: ما الذي يميز أحزاب الحركة الاجتماعية عن غيرها من الأحزاب التقليدية؟ وما هي أنماط تلك الأحزاب؟ وما هي ملامح التجربة التنظيمية والفكرية لحركة النجوم الخمسة الإيطالية كحزب حركة افتراضي؟ وهل يمكن أن تتغير البنية التنظيمية والأيديولوجية لأحزاب الحركة الافتراضية عند دخولها المعترك الانتخابي وتمثيلها برلمانياً؟ وكيف يمكن لأفكار مشتتة ما بين اليسار واليمين أن تتعايش داخل بنية برامجية واحدة؟تمثل هذه الأسئلة لب اهتمام هذه الدراسة، التي تسعى لمناقشة عدة قضايا رئيسية، وهي: مفهوم الحركة الاجتماعية وعوامل التحول من الحركة للحزب، ومفهوم حزب الحركة الاجتماعية وأنماطه، والسمات التنظيمية للنجوم الخمسة، كنموذج لحزب حركة افتراضي؛ والمحتوى البرامجي لحزب حركة النجوم الخمسة، التي تمثل نموذجاً للحركات الاجتماعية، التي أصبح لها وجود وتأثير في الحياة السياسية في بلادها، وباتت تجربة تستوحيها الحركات الاجتماعية الساعية لنفس الغاية في دول أخرى. كما تناقش الدراسة مدى إمكانية تحول حركة النجوم الخمسة الافتراضية، وتجربتها الحزبية، إلى نموذج ملهم، وتجربة يمكن استنساخها في دول ومناطق ومجتمعات أخرى، أو على أقل تقدير استخلاص الدروس المستفادة منها، وتوظيفها في سياقات وبيئات سياسية واجتماعية أخرى.