تركت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19) آثاراً عميقة على العالم، شملت المستويات السياسية والاقتصادية والمجتمعية والتكنولوجية كافة، بحيث يمكن القول إن عالم ما بعد جائحة كورونا ليس كما قبلها. فقد تسببت جائحة كورونا في أسوأ ركود للاقتصاد العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، متخطية في آثارها الأزمة المالية العالمية في عام 2008. إذ أثرت الجائحة على جميع الأنشطة الاقتصادية من دون استثناء. ويمكن القول إن الأزمة الراهنة تضع النظام الاقتصادي العالمي على عتبة مرحلة جديدة، كونها تدفع نحو تغيير الكثير من ثوابته، وتجبر الدول على تغيير القواعد التي حكمت منظومة علاقاتها الاقتصادية لمدة تزيد على سبعة عقود.
بدأت غالبية الدول استعداداتها منذ مطلع عام 2021 للدخول في مرحلة "التعافي"، عقب إنتاج اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، وبدء التطعيمات بسرعة كبيرة، إلا أنه سرعان ما ظهرت العديد من المشكلات التي تؤثر سلباً على مسارات سياسات التعافي، بعض هذه المشكلات ناتج عن الطبيعة الخاصة بالفيروس نفسه وتحوره. بينما يعود بعضها الآخر لطريقة تعامل الدول مع "اللقاحات"، حيث تحولت "اللقاحات" إلى محور تنافس وصراع جديد بين القوى الكبرى، سواءً تعلق الأمر بالإنتاج أو بالتصدير أو بالتوزيع.
أدت جائحة كورونا إلى ما يمكن وصفه بأكبر وأسرع تحول رقمي في التاريخ، إذ دفعت إجراءات الإغلاق للحد من تفشي الفيروس إلى اعتماد الدول والأفراد، بشكل غير مسبوق، على التكنولوجيات الرقمية. ولكن الاعتماد المتزايد على الإنترنت والتقنيات الذكية، حمل في الوقت نفسه تهديدات ومخاطر، مثل الهجمات السيبرانية والجرائم السيبرانية، التي يمكن أن تتسبب في تحقيق خسائر فادحة للحكومات والشركات والأفراد. وهو ما أدى إلى اهتمام الدول بفرض سيادتها على الفضاء السيبراني، لمواجهة هذه التهديدات.
وفي هذ الإطار، يأتي هذا الكتاب محاولة لفهم الآثار التي تركتها الجائحة على العالم، على المستويين الاقتصادي والتكنولوجي. ويضم خمسة فصول، يتناول الفصل الأول، التداعيات الكبيرة لجائحة كورونا على الاقتصاد العالمي بكل قطاعاته. ويرصد الفصل الثاني، التحديات غير المسبوقة التي شكلتها كورونا للشركات الكبرى وأنماط استجابتها لها. ويناقش الفصل الثالث، المشكلات التي تؤثر سلباً على مسارات سياسات التعافي، على الرغم من الإنتاج السريع والمكثف للقاحات. ويستعرض الفصل الرابع، التحولات التكنولوجية التي طرأت على العالم في ظل أزمة كورونا. ويتطرق الفصل الخامس والأخير، لمساعي الدول لفرض سيادتها التكنولوجية على مختلف الفاعلين في المجال السيبراني الخاص بها، في ظل الاعتماد المتزايد على الفضاء السيبراني عقب تفشي كورونا.
الجائحة : الملامح الاقتصادية والتكنولوجية الجديدة في عالم ما بعد كورونا
المؤلفون المشاركون:
إيهاب خليفة
أندرو ألبير شوقي
صدفة محمد محمود
علي صلاح